تخطيط التعلمات وفق المقاربة بالكفايات


تخطيط التعلمات وفق المقاربة بالكفايات
* حول التخطيط :
- المفهوم العام للتخطيط:
وهو أسلوب أو منهج يهدف إلى حصر الإمـكانات المـادية والمـوارد البشرية المتوفـرة ودراستها وتحـديد إجـراءات الاستفادة منها لتحقيق أهداف مرجوة خلال فترة زمنية محددة.
- مفهوم التخطيط لإعداد الدروس :
عملية تحضير ذهني وكتابي يعده الأستاذ قبل الدرس بفترة كافية، ويشتمل على عناصر مختلفة لتحقيق أهداف محددة وذلك لتنمية كفاية أو كفايات مسطرة.
- أهمية التخطيط للدرس:
إن التخطيط الجيد لأي عمل يضمن قدراً كبيراً من النجاح لهذا العمل عند تنفيذه أو تدبيره، ويجنب القائم به العشوائية أو عدم وضوح الخطوات، ويمكنه من توقع و تلافي الصعوبات -إن وجدت - خلال التنفيذ أو التدبير.
والمتأمل للدروس الناجحة سيكتشف أن وراء هذه الدروس أستاذا ناجحاً خطط دروسه مسبقاً، فأهداف الدرس حددت بطريقة واضحة ومحددة ومادة الدرس والأدوات والأجهزة التي يستخدمها هذا الأستاذ وأساليب التدريس والأنشطة التي يقوم بها التلاميذ وما يطرحه الأستاذ من أسئلة كلها أعدت بطريقة مرتبة وتتفق مع المتغيرات العديدة للموقف التعليمي وتخدم الهدف من الدرس .
والتخطيط الجيد يتطلب من الأستاذ أن يكون متمكناً من المادة العلمية للوحدة أو الموضوع المراد تدريسه ، لأن هذا التمكن الجيد يساعده على تحديد الأفكار والمفاهيم الرئيسية التي يجب أن يتعلمها التلاميذ وتساعد على ربط تلك المفاهيم ببعضها البعض، والتخطيط الجيد كذلك يساعد الأستاذ في تقويم كل مقومات الموقف التعليمي والتعرف على مدى تحقق الأهداف التعلمية للدروس. و بصفة عامة فالتخطيط :
- يجعل عملية التعلم متقنة الأدوار وفق خطوات محددة منظمة ومترابطة الأجزاء وخالية من الارتجالية والعشوائية، محققة للأهداف.
- يسهم في نمو خبرات الأستاذ المعرفية أو المهارية.
- يساعد على رسم وتحديد أفضل للإجراءات المناسبة لتدبير الحصص التعلمية وتقويمها.
- يعين على تدبير الزمان بالصورة الأمثل.
- يعين الأستاذ على التعرف على الكفايات و الأهداف وسبل تحقيقها.
- يساعد الأستاذ على اختيار وسيلة التعليم المناسبة للوضعيات المقترحة.
----------------------------------------------------------------------
* حول الكفاية:
1) ما هي الكفاية ؟
- هي معرفة التصرف un savoir agir التي تتجلى في معرفة تحريك savoir mobiliser، ودمج intégrer المعارف والسلوكات والقدرات والوظائف والقيام ببعض الأعمال .
- الاستعداد لتحريك وتحويل الآليات المعرفية إلى وضعيات وسياقات خاصة
- تصور ينحدر من بيداغوجيا القدرات المعرفية(Bloom هو رائدها )
- هي إمكانية لدى شخص معين لتعبئة أو تحريك، بكيفية دخلية interiorisé ، مجموعة مدمجة من الموارد بغية حل وضعية مشكلة تنتمي لفئة من الوضعيات .
أنا كفء عندما أستطيع ، في كل وقت أن أبين كفايتي ، وليس فقط أمارس في وضعية ما . يبين هذا المفهوم إمكانية ، أن الكفاية في خدمة الفرد و ما يقرر فعله أو القيام به . تتطور لديه تدريجيا لتشكل طاقة يمكنه تحريكها عند الحاجة .
وتعني بصفة دخلية، الخاصية الضرورية للكفاية ألا وهي الاستقرار أو الثبات ، وهذا لا يعني عدم القدرة على التقدم أو التطور في ممارسة الكفاية بل على العكس ، كلما تمت ممارسة الكفاية كلما كان الفرد كفئا . ولهذا تتطلب كل كفاية صيانة لضمان الاستمرارية في الممارسة، الشيء الذي يعني أنه يمكن فقدان الكفاية إذا توقفنا عن الممارسة (Le Boterf 1995) . فالكفاية ، عكس البطارية لا تضيع إلا إذا لم يتم استعمالها .
إن حل فئة من الوضعيات المشكلة ، تعني أن الكفاية محاطة ليس فقط بالموارد التي يجب تحريكها ولكن كذلك بصنف معين من الوضعيات .
لذا يعني كفء إمكانية مواجهة أي وضعية تنتمي إلى فئة أو عائلة الوضعيات .
ملحوظة : عندما نخرج من فئة الوضعيات نكون في كفاية أخرى .
مثال : يمكن أن يكون الفرد كفئا لسياقة سيارة على الطريق السيار :
- كفاية 1 مرتبطة بفئة من الوضعيات المتمثلة في مختلف المسارات على الطريق السيار . لكن ليس في وسط المدينة.
- كفاية 2 : مرتبطة بفئة من الوضعيات ، ألا و هي المسارات المختلفة داخل المدينة .
من هنا يتضح أن مفهوم الوضعية مركزي ، و يجدر بنا توضيح العناصر الثلاث المرتبطة بالوضعيات المصاحبة للكفايات لاحقا:
• الوضعيات : : situations
• دالة : Significatives:
• تنتمي لنفس الفئة من الوضعيات : Issue de la même famille de situations
----------------------------------------------------------------------
2- صياغةالكفاية:
لكي يكون التعريف هو تعريف للكفاية يجب أن يكون جد دقيق إلى درجة أن شخصين مختلفبن يقدران على وضع نفس الحقيقة وراء نفس الكلمات أو المفردات ، مع الاحتفاض بخاصيتها الإدماجية قبل كل شيء .
ما هي المظاهر التقنية لصياغة الكفاية ؟
- تحديد ما ينتظر من المتعلم : في البداية يجب تحديد الكفاية الدقيقة التي نريد تطويرها أو تنميتها لدى المتعلمين و التي ترتبط بفئة من الوضعيات و تتعلق( أو تتوقف ) أساسا( على) بشيئين :
- نمط المهمة أو النشاط المنتظر أو المتوخى.
- السند أو الحامل و ظروف إنجاز النشاط .
- نمط المهمة أو النشاط المنتظر أو المتوخى: إنه صورة نمط الإنتاج الذي نتوخاه من المتعلم .في نهاية :
- حل مشكل معين.
- إبداع معين أو اختراع جديد ( إنتاج ما ...)
- نشاط حول البيئة (بحث ، دورة تحسيسية إعلامية ...).
إذن : نمط النشاط أو المهمة هو الذي يحدد طبيعة التعليمة التي نقترحها على المتعلم .
- نمط السند وظروف إنجاز النشاط أو تنفيذ النشاط:
قبل صياغة كفاية يجب أن تكون لدينا فكرة دقيقة حول الأسناد /الحوامل التي تقدم للمتعلم و الظروف التي سينجز فيها النشاط .
في الواقع إذا كانت المتغيرات جد قوية ، تمثل الوضعيات كفايات مختلفة .إضافة إلى العوامل المرتبطة بالمنتوج، يمكن أن تتدخل عوامل مرتبطة بالسيرورة ، و يتعلق الأمر بالمعيقات التي نفرض على المتعلم للتأكد من أننا نحرك بعض المكتسبات( بعض المحتويات ،المواد ، المناهج ، بعض معارف الفعل ، ...) .
و يمكن أن تكون العوائق:
- كنهاية الإنتاجات ، مثل مجسم للمدرسة.
- أو كسيرورة مثل توفر المتعلم على ورقة واحدة للوسخ من أجل تحرير نص .
و من بين العوائق نجد خاصة الوسائل المتوفرة لدى المتعلم لممارسة الكفاية:
- هل يمكنه استعمال المنجد ؟ مرجع آخر ؟
- هل يتوفر على مذكراته الخاصة ؟
- هل له الحق في اللجوء الى إجراء كتابي؟
- هل يمكنه استعمال أداة معينة : مسطرة- بيركار ...
إن العدة التي يمكن استعمالها هي صورة للعدة التي سيستعملها عند استدراجه لممارسة الكفاية خارج الإطار المدرسي. و في هذه الحالة يمكن وجود متغيرات مرتبطة بدكدكة السيرورة أي إلى الخاصية "المبنية" للوضعيات .
---------------------------------------------------------------------
2-1 خصائص الكفاية:
• لكل كفاية سياق تكتسب وتنمو وتتطور فيه، وهو سياق متنوع يضم عددا من الوضعيات.
• الكفاية تستدعي امتلاك موارد متنوعة داخلية وخارجية.
• الكفاية تتطلب تعبئة وإدماج مجموعة موارد مختلفة ومتنوعة.
• الكفاية تتمركز حول المتعلم.
• الكفاية ذات دلالة عملية متعلقة بحل وضعيات ـ مشكلة.
• الكفاية تتجلى في الفعل والإنجاز.
• الكفاية أكثر تعقيدا من الهدف.
• الكفاية تقوم وفق معايير محددة.
2-2 مفاهيم مرتبطة بالكفاية :
- قدرة الفرد/ المتعلم: حالة وعي حسي ووعي حركي ووعي سيكولوجي داخلي منبع إقدار الفرد على الفعل.
- تعبئة: فعل إشعالي لطاقة الفرد لاستدعاء واستحضار واستنفار موارد الفرد المختلفة، وملئها ذاتيا لأجل توظيفها في إنجاز مهمة ( حل وضعية ـ مشكلة ) .
- الموارد :مجموعة من المكتسبات والوراثيات مختلفة الكم والنوع يمتلكها الفرد، يستدعيها حسب الحاجة والموضوع والمنهج، لتوظيفها في أداء مهمة معينة .مثال: معارف، قيم، مهارات، خبرة، تجربة، مواقف، تقنيات، قدرات ...
- مجموعة موارد مدمجة: مجموعة من الموارد الذاتية والمكتسبة المتداخِلة فيما بينها والمستحكِمة والمنسجمة والمنصهرة والمندمجة ( معرفة، مهارات، قيم، مواقف، خبرة... و بعبارة أخرى: معارف، معارف الفعل و معارف الكينونة ) .
- وضعية ـ مشكلة: وضعية إشكالية تتطلب تدخلا لمعالجتها ومقاربتها من خلال دمج مجموعة من الموارد.
- مجموعة من الوضعيات المترادفة: الوضعيات المترادفة أو المتشابهة أو المتكافئة هي الوضعيات ذات معامل صعوبة واحد، بتمفصلات وتفاصيل مختلفة، تمارس فيها الكفاية، وتؤكد لنا تملكها. بمعنى تتطلب هذه الوضعيات نفس الكفاية لحلها.
2-3 أساسيات الكفايات :
تعتمد المقاربة بالكفايات على المنظور النسقي، وهذا يعني أن الكل يفوق مجموع الأجزاء مما يتطلب مبدأ الإدماج.
المكونات ليس لها نفس الأهمية؛ بمعنى: هناك الأولويات والأسبقيات ( حل الوضعية - المشكل أهم من حذق الآليات ).
في المقاربة بالكفايات الكفاءة لا تعني نفي حدوث ووقوع الخطأ؛ حيث ( للخطأ مكانة إيجابية في عملية التعلم ). فهو محرك للتعلم.
في المقاربة بالكفايات يتميز الخبير بمهارة التشخيص لأهميته في المعالجة، حيث أن تحديد مصادر الخطأ يساعد على بناء جهاز علاجي ناجح .
في المقاربة بالكفايات يتم التعلم في سياقات دالة، مما يعني دوام الأثر مع الأيام، حيث أن حياة الطفل منبع أساسي للتعلمات المستديمة.
-----------------------------------------------------------------------
3- الكفايات الممتدة : كيف نتعلم التعلم ؟
يسعى الإصلاح إلى إجراء مجموعة من التغييرات الجوهرية ، تستند إلى ثلاث خيارات محورية: Fourez 1994 وRomainville 1995
- تعلم متمركز حول التلميذ بدل المادة.
- تعلم متمركز حول إمكانات التلميذ : أي ما يستطيع فعله في المستقبل ،بدل التركيز على المكتسبات و الأشياء التي تعلمها في الماضي .
- تعلم معرفة الفعلsavoir faire ومعرفة التفكير savoir reflechir، الطرائق ، بدل تعلم المعارف و المحتويات .
3-1- ما هي الكفايات الممتدة؟
- الكفاية في معناها الواسع : قاعدة ونقطة انطلاق التعلمات المستقبلية .
شبهها روجرس ) X. Roegiers1994( ب: المحضن الخصب الذي ينشأ فيه راشد دينامي و مسؤول وقادر على التكيف وتحقيق السعادة.
الكفاية الممتدة المعرفية هي مجموعة منظمة من الدرايات المعرفية و الميتامعرفية (المعارف و الخبرات وحسن التواجد ) التي تمكن التلميذ من حل المشكلات و من التكيف داخل فئة من الوضعيات .
ملحوظة: ينبغي أن يكتسب المراهقون استقلاليتهم بالتدرج، ويضفوا معنى على مشاريعهم الدراسية والحياتية ( وبنائها ). وعلى المدرسة أن تساعدهم على تجاوز هذه المرحلة الصعبة بنجاح، وذلك عبر منحهم فرصا لاكتساب المواقف وتطوير قدرات حسن التواجد و التخطيط للمستقبل ...
3-2 ما موضع الكفايات الممتدة ؟
إن الكفايات لا يمكن أن تتطور بمعزل عن المعارف والمحتويات( (Grahay ( هناك توازن بين الكفايات والمعارف ) . و من هنا تتبين ضرورة وجدوى عدم الفصل بين المعارف النوعية وبين الكفايات ،دون أن يعني ذلك إدماجها بشكل مطلق .فمن المستحيل ممارسة كفاية ممتدة بدون محتوى ، كما لانستطيع الاشتغال على محتوى بدون ممارسة كفاية ممتدة بشكل جزئي (رومانفيل 1994) .
ولقد بين ذلك Fourez1994 : إن مجتمعنا يبحث باستمرار عن تحقيق التوازن بين نزعتين ،كلتاهما ضرورية.
3-3 كيف تمارس الكفايات الممتدة ؟
كيف ندرس للتلميذ الكفايات الممتدة ،والتي تتعلق بالكيفيات أكثر من المواد ؟
إن الأمر يتعلق بطرائق التعلم التي ينبغي أن نتبع منهجية خاصة من أجلها. وهنا تطرح مشاكل المصاحبة المنهاجية ، وبالتالي انحرافاتها الأساسية( رومانفيل 1994) :
.تأكيد وجود استراتيجية جيدة واحدة صالحة لكل السياقات :
إن التعلم فردي ، و أن إستراتيجية قد تكون فعالة لتلميذ والعكس بالنسبة للآخر: أي أن لكل تلميذ مواصفاته الخاصة به ،إضافة إلى أن تنوع سياقات التعلم يلزمنا بتكييف الإستراتيجية مع عناصر السياق (المحتوى ، شروط التعليم، التقويم ، السن ، و التحفيز ) حتى تكون فعالة ... فالمنهجية الفعالة هي التي تقدر التلميذ، بعد تكييفها مع خصائصه المعرفية و الوجدانية، على معالجة المعلومة بشكل يحقق الإنجاز المنشود في وضعية تكوينية... تعليم الطرائق عن طريق العرض و الإلقاء المنهجيات التي تكتفي بنقل الطرائق المفترض أنها فعالة. تكاد ألا تحدث لدى التلميذ القطيعة الضرورية لتغيير الطريقة .إضافة إلى أن الكفايات تكتسب عبر التجربة (Levy Leboyer,1993) وعبر تأملها وتحليلها .
و لعل تنمية قدرة التلميذ على الوعي باستراتيجيته الخاصة وبسياق العمل ،أن يكون مسلكا واعدا ومثمرا ؛ وهو ما يسمى بالميتامعرفية .
إن تنمية كفايات التلاميذ الممتدة ، وفق هذا المنظور ، تستلزم أن يوفر لهم المدرس فرصا لتأمل طرائقهم الذهنية الخاصة ، وتحليلها مع تحديد مكامن القوة و الضعف فيها.
-----------------------------------------------------------------------
4- اكتساب الكفاية :
يمر من بناء التعلمات الأساسية ثم الإدماج ثم التقويم.
4-1 اكتساب التعلمات الأساسية : تمر هذه المرحلة بدورها من:
ـ فهم التعلمات الجديدة:
تقدم للمتعلم الوضعية التعليمية بكل تجلياتها الواضحة، ليلاحظها ويحاول التمكن منها من خلال ضبط معطياتها وتحليلها وتركيبها ونقدها، لبناء المفاهيم.
ـ التدرب على التعلمات الجديدة:
تقدم للمتعلم أنشطة تعلمية في شكل وضعيات مختلفة يتعرف من خلالها على المكتسبات الجديدة، ويحاول إعادة صياغتها من جديد مع استثمارها في الوضعيات المتنوعة لتثبيتها.
ـ الإدماج الجزئي للتعلمات:
يتم الإدماج الجزئي من خلال وضعيات ـ مشكلة تسمح للمتعلم بتعبئة موارده الجديدة وربطها بموارده السابقة من أجل مقاربة تلك الوضعيات، التي تتدرج في الصعوبة والدلالة والمعنى. حيث يفيد الإدماج الجزئي كونه مرحلة تأتي بعد فهم التعلمات الجديدة والتدرب عليها في تمفصلاتها الديداكتيكية لا البنيوية.
4-2 الإدماج: وهو إدماج نهائي مرتبط بالكفاية؛ حيث تقدم للمتعلم وضعيات هدف قصد تعبئة كل موارده المكتسبة السابقة والجديدة في إطار التعلمات الجديدة، لمقاربة تلك الوضعيات، التي تبقى جديدة ومعقدة.
4-3 التقويم: يتم التقويم بوضعيات مختلفة تنتمي لنفس العائلة أو الفئة مع الاختلاف في الصعوبة والتعقيد، ويسمح التقويم للمتعلم بنقل كفايته من مجال اكتسابها إلى مجال آخر.
تعليقات